جاذبية سائقي التوك توك
"فكك م اللي إنت فيه" أغنية فريق أرابيان نايتس أصبحت هي المفضلة عندي هذه الأيام، تذاع بانتظام علي محطة نجم الجيل (مزيكا سابقا)، في أوقات الملل (تقدر تقول طول الوقت) أمسك الريموت كنترول، أخرج البطاريات لأعضعضها قبل أن أن أتجول بين غرف فندق النايل سات من أجل فكرة سريعة عما يدور في كل غرفة ثم أعود إلي مزيكا فأجد الأغنية (لسه ماجتش).
هناك جملة معينة في هذة الأغنية تمنحني سعادة الأطفال (الناس الموهوبة رخصها مسحوبة)، هل تعرف لماذا تعترض الحكومة علي ترخيص التوك توك ؟ لأن سائقيه موهوبون بالفطرة، إنهم يقودون نصف سيارة بدون باب تعتمد في اتزانها علي تيارات الهواء وصوت البيز القادم من السماعات القوية والتويتي الموضوعة بعناية علي جانبي مسطرة القيادة. إن أغنية واحدة من توزيع طارق مدكور بكل ما فيها من إيقاعات قوية صاخبة كفيلة بجعل التوك توك ينقلب عدة مرات كبرميل مكعب حطه السيل من علٍ، لكن مهارتهم تجعلهم يحكمون السيطرة علي التوك توك في ظل أغنيات أكثر ضجيجا وعشوائية.
تمر بي كل أنواع المركبات يوميا (ماعدا الدبابات) ولا يأسرني إلا سائق التوك توك بكل ما فيه من جاذبية، مهاراته تليق بسائق في الليفيل قبل الأخير في سباق سيارات البلايستيشن، يظهر له فجأة أشخاص يصرخون قد يدهسهم لكن الغريب أنه لا شيء يحدث لهم، ماهر في تفادي أمناء الشرطة، يمتلك من الدقة ما يجعله يمر بين سيارتين متجاورتين دون أن يلمس إحداهما، لا يزعج الآخرين عندما يسير مسرعا في الاتجاه المعاكس ويستقبل سباب الآخرين بابتسامة أبوتريكة، لا يهزمه شيء..ينام التوك توك بركابه علي جانبه الأيمن في ملف خادع بفعل أرضيته المطينة بطين فيخرج هو والركاب ويعدلون التوك توك بينما الأغنية لسه شغالة في الإم بي ثري، ثم يستكملون مشوارهم بالبهجة نفسها (أعرف أصدقاء متعتهم الوحيدة إنهم يركبوا التوك توك ويتقلبوا بيه كل شوية)، لديه أخلاق أكثر رقيا من أخلاق سائقي الميكروباصات فهو لا يتأخر عن توصيل سيدة مسنة إلي باب بيتها وربما صعد بها إلي باب الشقة.
إنه أدهم شرقاوي عصرنا الحديث الذي ينحاز للغلابة، وتطارده الحكومة وتضيق عليه الخناق دوما حتي لا يتسلل إلي العالم الخارجي فيعكنن علي الباشوات أصحاب السيارات الفارهة، إنه بطل شعبي يتحمل سيوف الهواء المثلج التي تنخر في عظامه من الناحيتين من أجل الآخرين ، محبوب من الجميع يكفي أن تشاهده يسير بسرعة ثم يخرج ساقه فجأة من التوك توك وهو يمر بصديق له ليضربه بالشلوت ويجري فيبتسم صديقه ويرد له التحية بمرح(ماشي يا ابن ال...)، إنه نجم سينمائي..هل صادفته هذه الأيام يقود مركبته وهو يرتدي الجينز والجاكيت الجلد بينما أحاط رقبته بتلفيحة سيناوي زاهية ودفن كفيه في جوانتي صوف.. ذقنه نصف حليقة وتتدلي من شفتيه السيجارة وقد انبعث من جنبات التوك توك صوت أغنية حزينة (أنا عايش ومش عايش)، إنهم عشاق (لايقين جدا) في الجروح والهزائم العاطفية.
كانت لعبة الطفولة المفضلة عند كثيرين هي أن يفرد يديه كأنه ممسك بـ(جادون) ويجري في دوائر ومنحنيات وهو يصرخ (بيب..بيبب بيييب)، معظمنا قادته اللعبة لأن يلبس في رجل مسن فيأخذه ويسقط أسفله أو لأن تضربه سيارة تمتلك (بيب حقيقي)، فشل معظمنا وتحول الناجحون لسائقي تكاتك.
لولا لم أكن أحب «مهنتي» لوددت أن أكون سائق توك توك. الجملة السابقة نصف صادقة، فحبي للكتابة ليس هو الذي يحول بيني وبين هذه الأمنية، فالحقيقة أنني لا أمتلك ربع مهارات سائقي التوك توك ولا أضاهيهم في الجاذبية، إنها أمنية غير واقعية، لكنني أمتلك واحدة صادقة وحقيقية...أتمني أن أستقل توك توك يكون شغال فيه بالصدفة أغنية (فكك م اللي انت فيه).
منقـول لــلامــانــة